00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر10
الأربعاء
16 °C
بغداد، 16°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار

حديث منفلت في عصر نووي: الحجة من أجل ضبط الخطاب والدبلوماسية

هناك مقولة قديمة تعود لزمن الحرب العالمية الأولى مفادها: "الشفاه المنفلتة تُغرق السفن." كانت بمثابة تحذير للبحارة الأمريكيين والمدنيين من أن الكلام غير المنضبط قد يكشف تحركات القوات أو نشرات البحرية للجواسيس، بما قد يؤدي إلى خسائر كارثية في البحر. لا يزال التحذير صحيحاً اليوم، ولكن الرهانات باتت أكبر بكثير: الكلام المنفلت ما زال قادراً على إغراق سفن، لكنه اليوم قد يساعد أيضاً في إشعال حرب.

وإذا كانت تلك الحرب تشمل قوى تمتلك السلاح النووي، فقد تتجاوز نتائجها مصير أي أسطول إلى تهديد الكوكب بأسره. فخطابات روسيا والصين والولايات المتحدة باتت لا تقتصر على القلق، بل أصبحت منفلتة وغير متزنة على نحو متزايد. تصريحات كانت ستُعدّ سابقاً تهوراً خطيراً تُقال اليوم علناً من قبل كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين، ويجري التعامل معها باعتبارها أمراً طبيعياً أو حتى حكيماً.

التوتر الأمريكي-الصيني حول تايوان

تصر بكين على أن تايوان شأن داخلي، وتبدو عازمة تماماً على تحقيق إعادة التوحيد، ولو بالقوة إذا لزم الأمر. يشير القادة الصينيون إلى أن أي حصار أو غزو سيكون مسألة سيادة، بينما يتعامل المخططون في واشنطن مع سيناريو تايوان باعتباره اختباراً رئيسياً لمصداقية الولايات المتحدة في آسيا.

لا يعرف أحد على وجه اليقين ما إذا كانت واشنطن ستتدخل عسكرياً إذا فرضت الصين حصاراً على الجزيرة أو غزتها، لكن الاحتمال يبدو مرتفعاً. وتشير تقارير إلى أن الخطط العملياتية في البنتاغون تفترض شنّ ضربات تقليدية عميقة على مواقع القيادة والدفاعات الجوية ومنصات الصواريخ داخل الصين—أهداف قد تراها بكين تهديداً لقدرتها النووية الرادعة، إذ إن بعض الصواريخ والمنصات مزدوجة الاستخدام أو متمركزة بشكل متداخل.

لا توجد سياسة أميركية تعلن رداً نووياً تلقائياً على ضربات تقليدية في البرّ الصيني، لكن كتابات عسكرية صينية تناقش سيناريوهات استخدام الأسلحة النووية لردع التدخل الأميركي، بما يشمل خيارات "الضربة الأولى" أو "ضربة تحذيرية." وتشير دراسات إلى أن منشورات جيش التحرير الشعبي تستكشف بشكل متكرر استخداماً نووياً محدوداً في أزمات تايوان، مثل إطلاق قذائف قرب قواعد أميركية أو في عرض المحيط لإرغام واشنطن على التراجع.

تهديدات نووية صينية موجّهة للحلفاء

أصدرت أصوات مقربة من الدولة الصينية تحذيرات نووية أكثر مباشرة تجاه الحلفاء. فقد ظهر عام 2021 فيديو مرتبط بالجيش الصيني يهدد بضربات نووية لليابان إذا تدخلت في أزمة تايوان. ويحذر خبراء إقليميون اليوم من خطر متزايد لـ"الابتزاز النووي" في حال وقوع أزمة في المضيق.

وجاءت تصريحات رئيس الوزراء الياباني الجديد، سانايي تاكايشي، لتزيد التوتر، إذ أشارت إلى احتمال مشاركة عسكرية يابانية إلى جانب الولايات المتحدة في حال تعرضت تايوان لهجوم. فقد قالت أمام البرلمان إن استخدام الصين للقوة قد يشكّل "تهديداً لوجود" اليابان بموجب تشريعات الأمن لعام 2015، وهو ما يسمح باستخدام "الدفاع الذاتي الجماعي" في ظروف محددة.

ردّت بكين بغضب شديد، واتهمت طوكيو بإرسال "إشارة صادمة" وهددت بأنها "ستتحمل كل العواقب." وبلغ التصعيد حدّ استخدام القنصل الصيني في أوساكا لغة عنيفة تتحدث عن "قطع الرأس" الذي يتجاوز حدوده—وهو تهديد فسّرته طوكيو على أنه موجّه إلى رئيسة الوزراء نفسها.

تهديدات روسية أكثر وضوحاً

روسيا كانت أكثر صراحةً في تهديداتها. ففي 2 ديسمبر 2025 أعلن فلاديمير بوتين أن موسكو "مستعدة" للحرب إذا بدأت أوروبا واحدة، مكرراً نمطاً من التهديدات الموجهة إلى الناتو طوال حرب أوكرانيا. وحذر من أن روسيا ستلحق "هزيمة مطلقة" بأي معتدٍ، فيما كانت المحادثات الأميركية-الروسية حول أوكرانيا مستمرة.

منذ 2023 وحتى 2025 أصدر ديمتري مدفيديف تهديدات متكررة باستخدام الترسانة النووية الاستراتيجية ضد عواصم غربية إذا فقدت روسيا أراضيها المحتلة أو إذا تدخلت قوات الناتو مباشرة. وتحدثت وسائل الإعلام الروسية الرسمية عن سيناريوهات "محو" المملكة المتحدة بصواريخ استراتيجية، مع رسوم توضيحية تُظهر الوقت اللازم لوصول الرؤوس النووية إلى لندن.

هذه ليست عقيدة رسمية، لكنها رسائل متعمدة لرفع مستوى الرعب النووي لدى بريطانيا وحلفائها. وتربط موسكو تلك التهديدات بالدعم العسكري البريطاني لأوكرانيا، لتصوير لندن باعتبارها من أكثر الدول "عداءً" لروسيا.

التحول الجذري في الاستراتيجية الألمانية

في ألمانيا، تعتمد الحكومة استراتيجية عسكرية جديدة تصف روسيا بأنها "تهديد وجودي"، وتضع في حساباتها احتمال وقوع مواجهة مباشرة مع موسكو بحلول 2029. ويُحذّر كبار المسؤولين من أن روسيا قد تستعيد قدراتها العسكرية في غضون سنوات قليلة.

يؤكد وزير الدفاع بوريس بيستريوس أن الجيش الألماني يجب أن "يكون قادراً على خوض الحرب" بحلول 2029، وهو ما يستلزم إعادة بناء القوات الثقيلة وتعزيز الدفاعات الجوية وتسريع المشتريات الدفاعية.

ويتضمن "خطة العمليات الألمانية" السرية سابقاً، وهي وثيقة من 1200 صفحة، استعداد برلين لاستقبال ودعم ما يصل إلى 800 ألف جندي من الناتو متجهين إلى الجبهة الشرقية في حال اندلاع حرب واسعة.

الحاجة إلى ضبط الخطاب والدبلوماسية

لكي يُتجنَّب الانزلاق نحو كارثة، ثمة أمران ضروريان:

ضبط الخطاب: لا يمكن للقوى الكبرى الاستمرار في الحديث عن الحرب باعتبارها خياراً ممكناً أو مقبولاً، لأن هذا الخطاب نفسه يخلق ديناميكيات تصعيد.

استعادة الدبلوماسية الجادة: لفهم نوايا الصين وروسيا الحقيقية، واختبار إمكانية الوصول إلى ترتيبات مستقرة تمنع الكارثة.

تطرح المقالة أسئلة أساسية:

ماذا تريد الصين بالضبط؟ وهل تقتصر أهدافها على تايوان؟

وماذا تريد روسيا؟ هل تتوقف عند أوكرانيا، أم تسعى فعلاً إلى إعادة بناء إمبراطورية سوفياتية؟

إن معرفة نوايا الطرفين ليست شأناً نظرياً، بل هي أساس القرار: هل يُفهم تقديم تنازلات باعتباره تفادياً لحرب؟ أم باعتباره تمهيداً لحرب أكبر كما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي؟

متى يصبح الاسترضاء خطيراً؟

الاسترضاء ليس خطأً بحد ذاته؛ بل يتوقف على نوايا الخصم.

يصبح كارثياً فقط عندما تكون طموحات الخصم غير محدودة.

أما إذا كانت أهدافه محدودة، فقد يكون الاسترضاء وسيلة لتفادي حرب مدمرة.

يشدد المقال على أن فهم النوايا هو جوهر الصنعة السياسية، وأن القيادة الحقيقية تتطلب الاعتراف بأن للخصم أيضاً مصالح يراها جوهرية.

خاتمة

في عصر تتبادل فيه القوى النووية التهديدات كما لو كانت بيانات صحفية، لا يمكن للعالم أن يتحمل خطابات تهور. المطلوب خطاب منضبط، وتحليل رصين، ودبلوماسية قائمة على فهم واضح لنوايا الخصوم—لأن الكلمات، مثل الأسلحة، يمكن أن تطلق مساراً يؤدي إلى كارثة لا ينجو منها أحد.

تعليقات الزوار