سعود بن مشتاق - باحث فی السياسة العالمية والعلاقات الدولية وتقييم المخاطر
صعود القوة العسكرية الصينية: تشكيل مستقبل الأمن العالمي
برزت منطقة المحيطين الهندي والهادئ كإحدى أهم المناطق الاستراتيجية في العالم، ليس فقط بسبب وزنها الاقتصادي، بل لدورها المحوري في صياغة ديناميكيات الأمن العالمي.
وقد وقع الاختيار على هذا الموضوع لأن التوسع العسكري الصيني السريع وسياسات بكين الإقليمية الحازمة يعيدان رسم ميزان القوى في المنطقة ويعيدان تشكيل النظام الدولي.
ومع تصاعد التوتر حول تايوان واشتداد النزاعات في بحري الصين الجنوبي والشرقي، فإن فهم صعود القدرات العسكرية الصينية يعد أمراً أساسياً لتقييم تأثيراتها الواسعة على التجارة والدبلوماسية والأمن الإقليمي والعالمي.
ويهدف هذا البحث إلى تحليل نمو القوة العسكرية الصينية بالتوازي مع الاستجابات الاستراتيجية لدول الجوار، بما يقدّم رؤية معمّقة حول تحولات ميزان القوى وتداعياتها على الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية.
التوسع العسكري الصيني: الدفع نحو "جيش عالمي الطراز"
رؤية شي جين بينغ
أكّد الرئيس الصيني شي جين بينغ أن بناء "جيش عالمي الطراز" بحلول عام 2049 يعد جزءاً أساسياً من مشروع “النهضة الوطنية” الذي يوجّه أجندته السياسية منذ توليه قيادة الحزب الشيوعي عام 2012. وفي عام 2015، خضعت الدولة لإعادة هيكلة عسكرية واسعة أعادت تنظيم هيكل القيادة ووسّعت من سيطرة الحزب الشيوعي على الجيش.
يرتكز صعود القوة العسكرية الصينية على عنصرين رئيسيين:
تطوير ثالوث نووي كامل قابل للبقاء والردع.
بناء قوات تقليدية متطورة تكنولوجياً.
يسعى العنصر الأول إلى موازنة القيمة الردعية للترسانة النووية الأمريكية، بينما يميل العنصر الثاني بكفة ميزان القوة التقليدية في منطقة سلسلة الجزر الأولى لصالح الصين.
التوسع النووي
يمثل التوسع النووي الصيني تحدياً طويل المدى للولايات المتحدة التي تهيمن تاريخياً على قطاع الأسلحة النووية. ووفق تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) لعام 2024، ارتفع عدد الرؤوس النووية الصينية من 410 في يناير 2023 إلى 500 في يناير 2024، مع توقع وصولها إلى 1000 رأس نووي بحلول 2030.
ورغم أن الترسانة الصينية لا تزال أصغر من نظيرتها الأمريكية، فإن وتيرة النمو هي مصدر القلق الأبرز. فقد حسّنت الصين أنظمة إيصال الأسلحة النووية وطورت صواريخها الباليستية العابرة للقارات، وأنظمة الرؤوس المتعددة MIRVs، ومنصات الإطلاق المتنقلة.
ويعكس هذا التنويع رغبة في توسيع خيارات الاستخدام النووي في النزاعات المحتملة، وهو ما قد يؤدي إلى اختلال في ميزان الإرادة السياسية، حيث قد تبدي الصين استعداداً لتحمل مخاطر أكبر بشأن تايوان مقارنة بالولايات المتحدة. ولذلك، تخشى واشنطن من تآكل تفوقها النووي التاريخي أمام الصين.
الإنفاق الدفاعي وتطور القوة التقليدية
تثير ميزانية الدفاع الصينية المتصاعدة مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. فقد ارتفع الإنفاق العسكري من 720 مليار يوان عام 2013 إلى 1.67 تريليون يوان (230 مليار دولار) عام 2024.
وأتاح هذا الإنفاق للصين تطوير قدراتها التقليدية بشكل كبير، إذ تمتلك اليوم أكبر بحرية في العالم من حيث عدد القطع، بأكثر من 370 سفينة وغواصة، من بينها أكثر من 140 قطعة قتال رئيسية. وتقدّر تقارير البنتاغون أن يصل العدد إلى 395 سفينة في 2025 و435 سفينة بحلول 2030.
كما تمتلك الصين ترسانة صاروخية واسعة تشمل:
صواريخ DF-21 وDF-26 الباليستية المتوسطة المدى.
الصاروخ فرط الصوتي DF-17.
صواريخ كروز أرضية مثل DH-10 وDF-100 بمدى يصل إلى 2000 كم.
ومع هذه التطورات، أصبحت الصين قادرة على تحدي الهيمنة العسكرية الأمريكية في المنطقة، وغالباً ما يمتد تأثيرها إلى انتهاك سيادة الدول المجاورة.
تفاقم التوترات: الصين وجيرانها على وشك الصدام
بحر الصين الشرقي
أسهم التوسع العسكري الصيني في زيادة التوترات الإقليمية، خصوصاً مع التواجد اليومي لخفر السواحل الصيني قرب جزر سينكاكو/دياويوتاي المتنازع عليها، ما أثار انتقادات حادة من اليابان.
وفي نوفمبر 2023، دعا الرئيس شي خلال تفقده قيادة خفر السواحل في بحر الصين الشرقي إلى تعزيز إنفاذ القانون لدعم المطالبات البحرية الصينية. وبعد ذلك، طرحت قيادة خفر السواحل خطة للحضور المستمر في المنطقة وإجراء تفتيشات على سفن الصيد اليابانية، في خطوة تهدف إلى تطبيع المطالبات الصينية في هذه المناطق.
وقد تركت هذه السياسات اليابان دون خيار إلا زيادة ميزانيتها الدفاعية، فيما يشكّل الوضع خطراً مباشراً على التجارة العالمية.
بحر الصين الجنوبي
الوضع أكثر خطورة في بحر الصين الجنوبي، الذي تمر عبره ثلث التجارة العالمية. حيث زادت الصين من عملياتها البحرية “الرمادية”، ما أثار توتراً كبيراً بين الدول المطلة على المنطقة.
وقال الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الابن في نوفمبر 2023 إن الوضع أصبح “أشد خطورة” نتيجة “تكتيكات الصين القسرية ومناوراتها الخطيرة”. وقد دفع ذلك مانيلا إلى توثيق تعاونها العسكري مع واشنطن وطوكيو وعدة دول أخرى.
مضيق تايوان
تزايدت حدة التوتر مع تكثيف الصين تدريباتها العسكرية حول تايوان. وفي ديسمبر، نفذت الصين أكبر انتشار بحري منذ عام 1996، متزامناً مع جولة الرئيس التايواني في الخارج.
تكتسب تايوان أهمية عالمية لكونها تنتج أكثر من 60% من أشباه الموصلات في العالم وأكثر من 90% من الرقائق المتقدمة. كما يمر عبر مضيق تايوان نحو 40% من الشحن العالمي.
أي نزاع هنا قد يؤدي إلى:
تعطيل سلاسل التوريد العالمية،
أزمة في الصناعات التقنية،
تدخل دولي قد يشمل الولايات المتحدة وحلفاءها.
استجابات متطورة للتوترات المتصاعدة
الجهود الإقليمية
أدت سياسات الصين العدوانية إلى تحركات إقليمية واسعة شملت:
زيادة ميزانيات الدفاع.
تطوير قدرات الفضاء والسيبرانية.
اقتناء صواريخ بعيدة المدى.
تعزيز التحالفات الدفاعية.
تدريبات مشتركة مع الولايات المتحدة.
وتعكس استطلاعات الرأي دعماً واسعاً لهذه الإجراءات في اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا.
وتعتزم اليابان رفع إنفاقها الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027، مع التركيز على الدفاع الصاروخي، وقدرات الضربات البعيدة، والاستراتيجيات متعددة المجالات. كما زادت أستراليا، والفلبين، وكوريا الجنوبية، وتايوان من إنفاقها العسكري وعززت تعاونها مع الولايات المتحدة.
ردود الفعل الدولية
بدأت أوروبا أيضاً إعادة تقييم سياساتها الدفاعية، خشية أن يؤدي نزاع في المحيطين الهندي والهادئ إلى استنزاف الموارد العسكرية الأمريكية التي يعتمد عليها الاتحاد الأوروبي في مواجهة روسيا.
كما أثارت التدريبات البحرية الصينية–الروسية في بحر البلطيق ودعم بكين للمواقف الروسية قلقاً إضافياً لدى الأوروبيين.
وفي الاستجابة، اتجهت أوروبا إلى:
زيادة الإنفاق الدفاعي.
حماية سلاسل التوريد.
تقليل المخاطر الاقتصادية المرتبطة بالصين (سياسة “خفض المخاطر”).
دعم حرية الملاحة في آسيا.
كما أن توسع الترسانة النووية الصينية يفرض على الناتو التكيف مع مرحلة الردع النووي الثلاثي.
خاتمة
يمثل التوسع العسكري الصيني وسياساته الحازمة في آسيا تحولاً مفصلياً في ميزان القوى الإقليمي والعالمي. فقد أدت رؤية شي جين بينغ لبناء "جيش عالمي الطراز" إلى دفع المنطقة نحو سباق تسلح جديد، وإجبار الدول المجاورة والقوى العالمية على إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية وبناء تحالفات أقوى.
ومع تحول منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى مركز الصراع الجيوسياسي العالمي، تصبح الشراكات الدفاعية مثل QUAD و AUKUS ضرورية للحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد وردع أي محاولات لتغيير الوضع بالقوة.
إن التطورات المتسارعة في هذه المنطقة ستحدد مستقبل الأمن العالمي لعقود مقبلة، وتمثل اختباراً لقدرة المجتمع الدولي على مواجهة التحديات المشتركة والحفاظ على السلام والاستقرار.
المعهد العراقي للحوار الراعي اللوجستي لمعرض بغداد الدولي للكتاب يفتتح جناحه الخاص في المعرض
المعهد العراقي للحوار يصدر "الحقيبة الدبلوماسية" للدكتور كرار البديري
Official agreement between Iraqi Institute for Dialogue and the Iraqi Media Network to sponsor The Seventh Annual International Conference of “Baghdad Dialogue” 2025
استكتاب خاص بمؤتمر حوار بغداد الدولي السابع لكتابة أوراق بحثية
دعوة استكتاب في العدد (79) من مجلة "حوار الفكر"
إشادات بحوار بغداد الدولي: تعزيز دور العراق المحوري ونقطة التقاء للرؤى
رئيس الوزراء: طريق التنمية سيجعل العراق قوة اقليمية سياسة واقتصادية
تعليقات الزوار